تفاسير سور من القرآن
معنى قوله تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ
...............................................................................
رسم> إِنَّهُمْ قرآن> رسم> ؛ أي الكفار الذين كذبوا نوحا اسم> الذين أهلكهم الله بالإغراق بالطوفان رسم> كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ قرآن> رسم> والعمون جمع العَمِي ووزن العمي فَعِل، أصله عَمِيٌّ تطرفت الياء بعد الكسر فصار ناقصا، والعَمِي هو أعمى القلب، والعياذ بالله.
وقراءة الحجة من القراء منهم السبعة بل والعشرة رسم> قَوْمًا عَمِينَ قرآن> رسم> جمع عمي، والعمي هو الذي قلبه أعمى لا يعرف الحق، ولا يميز بين الشر والخير، ولا الباطل والحق، ولا الحسن ولا القبيح. أما قراءة: قوما عامين على وزن فاعل؛ فهي من القراءات الشاذة؛ فلا تجوز القراءة بها.
وإن كان المقرر في علوم العربية أن الصفة المشبهة سواء كانت على وزن فعيل كما هنا في قوله: رسم> عَمِينَ قرآن> رسم> أو وزن فعيل أو غيرهما إذا أريد بها التجدد والحدوث جاءت على وزن فَعِل. وهذا معنى معروف مقرر في علوم العربية كثير في القرآن.
وفي كلام العرب إلا أنه لا يجوز قراءة هنا، وإن كان سائغا لغة؛ لأن الصفة المشبه إذا أريد بها التجدد والحدوث عبر عنها بصيغة الفاعل سواء كانت من فعيل أو من فيعل أو غيرهما كما هو معروف.
فالعرب مثلا تقول ضاق صدره يضيق فهو ضيق فالضيق صفة مشبهة من ضاق على وزن فيعل، فإذا أريد به التجدد والحدوث عدل عن ضيق، وقيل: ضائق. ومنه قوله تعالى: رسم> فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ قرآن> رسم> لم يقل: ضيق، لأنه أراد تجدد الضيق وحدوثه.
وهو كثير في كلام العرب، ومنه قول الشاعر العكلي اسم> حيث قال:
بمنزلة أما اللئــيم فسـامـن | بها وكرام القوم بـاد شحـوبهــا |
ومنه على وزن فعيل قول لبيد بن ربيعة اسم> رضي الله عنه:
رأيت التقى والجود خير تجـارة | رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقــلا |
ومن هذا المعنى قول قيس بن الخطيم اسم> لما قال:
أبلغ خداشا أنــني ميـــت | كل امرئ ذي حســب مـائـت |
وهذا كثير في كلام العرب يكفينا منه ما ذكرنا الآن.
والشاهد أن قراءة الحجة من القراء رسم> قَوْمًا عَمِينَ قرآن> رسم> جمع تصحيح للعَمِي على وزن فَعِل صفة مشبهة من عمي يعمى فهو عم إذا كان أعمى القلب، وأن قراءة عامي قراءة شاذة لا تجوز القراءة بها، وإن كان مثلها يجوز لغة إذا أريد التجدد والحدوث، وما كل ما يجوز لغة يجوز قراءة؛ لأن القراءة سنة متبعة. وهذا معنى قوله: رسم> إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ قرآن> رسم> والعياذ بالله.
لأن الله يعمي بصائر الكفار حتى يهلكوا رسم> إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ قرآن> رسم> رسم> فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ قرآن> رسم> وصرح في سورة الرعد بأن جميع الذين يعرفون حقية هذا القرآن أنهم لم يمنعهم من ذلك إلا عمى بصائرهم، والعياذ بالله.
والعين العمياء لا يمكن أن ترى الشمس، ولو كانت في رابعة النهار؛ إذ لا ترى الشمس عين تشتكي العور:
إذا لم يكن للمرء عـين صحيحــة | فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر |
مسألة>